سورة يوسف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)}
{وَقَالَ لفتيانه} جمع فتى وهو الخادم سواء كان حراً أو عبداً {اجعلوا بضاعتهم فِي رِحَالِهِمْ} أمر أن يجعلوا البضاعة التي اشتروا منه بها الطعام في أوعيتهم {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ} أي لعلهم يعرفون اليد والكرامة في ردّ البضاعة إليهم، وليس الضمير للبضاعة {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي لعل معرفتهم بها تدعوهم إلى الرجوع وقصد برد البضاعة إليه مع الطعام استئلافهم بالإحسان إليهم {مُنِعَ مِنَّا الكيل} إشارة إلى قوله: {وإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي} فهو خوف من المنع في المستقبل {نَكْتَلْ} وزنه نفتعل من الكيل {مَا نَبْغِي} ما استفهامية ونبغي بمعنى نطلب، والمعنى أي شيء نطلبه بعد هذه الكرامة وهي ردّ البضاعة مع الطعام ويحتمل أن تكون ما نافية ونبغي من البغي: أي لا نتعدى على أخينا ولا نكذب على الملك {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي نسوق لهم الطعام {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} يريدون بعير أخيهم إذ كان يوسف لا يعطى إلا كيل بعير من الطعام لكل إنسان فأعطاهم عشرة أبعرة ومنعهم الحادي عشر لغيبة صاحبه حتى يأتي. والبعير الجمل {ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ} إن كانت الإشارة إلى الأحمال فالمعنى أنها قليلة لا تكفيهم حتى يضاف إليها كيل بعير، وإن كانت الإشارة إلى كيل بعير، فالمعنى أنه يسير على يوسف أي قليل عنده أو سهل عليه، فلا يمنعهم منه {حتى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ الله} أراد أن يحلفوا له ولتأتنني به جواب اليمين {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} أي إلا تغلبوا فلا تطيقون الإيتان به.


{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)}
{يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ واحد} خاف عليهم من العين إن دخلوا مجتمعين إذ كانوا أهل جمال وهيبة {مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ} جواب لما والمعنى أن ذلك لا يدفع ما قضاه الله {إِلاَّ حَاجَةً} استثناء منقطع، والحاجة هنا هي شفقته عليهم ووصيته لهم {آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ} أي ضمه {قَالَ إني أَنَاْ أَخُوكَ} أخبره بأنه أخوه، واستكتمه ذلك {فَلاَ تَبْتَئِسْ} أي لا تحزن فهو من البؤس {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} الضمير لإخوة يوسف، ويعني ما فعلوا بيوسف وأخيه، ويحتمل أن يكون لفتيانه: أي لا تبالي بما تراه من تحيلي في أخذك {جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ} السقاية هي الصواع، وهي إناء يشرب فيه الملك ويأكل فيه الطعام، وكان من فضة، وقيل من ذهب، وقصد بجعله في رحل أخيه أن يحتال على إمساكه معه إذ كان شرع يعقوب أن من سرق استعبده المسروق له.
{ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} أي نادى مناد {أَيَّتُهَا العير} أي أيتها الرفقة {إِنَّكُمْ لسارقون} خطاب لأخوة يوسف، وإنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه، وقيل: إن حافظ السقاية نادى: إنكم لسارقون، بغير أمر يوسف وهذا بعيد لتفتيش الأوعية {وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} أي لمن وجده ورده حِملُ بعير من طعام على وجه الجُعلْ {وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} أي ضامن لحمل البعير لمن ردّ الصواع، وهذا من كلام المنادي.


{قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}
{قَالُواْ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض} أي استشهدوا بعلمهم لما ظهر لهم من ديانتهم في دخولهم أرضهم؛ حتى كانوا يجعلون الأكِمّة في أفواه إبلهم لئلا تنال زروع الناس {قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كاذبين} أي قال فتيان يوسف: ما جزاء آخذ الصواع إن كنتم كاذبين في قولكم: وما كنا سارقين، فالضمير في قوله جزاؤه يعود على الأخذ المفهوم من الكلام {قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} المعنى أن إخوة يوسف أفتو فيما سئلوا عنه فقالوا: جزاء السارق أن يستعبد، ويؤخذ في السرقة، وأما الإعراب فيحتمل وجهين: الأول: أن يكون جزاؤه الأول مبتدأ ومن مبتدأ ثان وهي شرطية أو موصولة، وخبرها فهو جزاؤه، والجملة خبر جزاؤه الأول، والوجه الثاني: أن يكون من خبر المبتدأ الأول على حذف مضاف، وتقديره جزاؤه أخذ من وجد في رحله وتم الكلام. ثم قال فهو جزاؤه أي هذا الحكم جزاؤه {وكذلك نَجْزِي الظالمين} [الأعراف: 41] من كلام إخوة يوسف أي هذا حكمنا في السارق، وقد كان هذا الحكم في أول الإسلام، ثم نسخ بقطع الأيدي {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ} هذا تمكين للحيلة ورفع للتهمة {ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ} ليصح له بذلك إمساكه معه، وإنما أنث الصواع في هذا الموضع لأنه سقاية، أو لأن الصواع يذكر ويؤنث.
{كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} أي صنعنا له هذا الصنع {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك} أي في شرعة أو عادته، لأنه إنما كان جزاء السارق عنده أن يضرب ويضاعف عليه الغرم، ولكن حكم في هذه القضية آل يعقوب {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ} يعني الرفعة بالعلم بدليل ما بعده {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} أي فوق كل عالم من هو أعلم منه من البشر، أو الله عز وجل.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11